Procrust myth
"كيف يؤكد إنسان سلطته على إنسان آخر يا وينستون ؟"
قال وينستون بعد تفكير: "يجعله يقاسي الألم"
رد أوبراين: "أصبت فيما تقول. بتعريضه للألم , فالطاعة وحدها ليست كافية , وما لم يعانِ الإنسان الألم كيف يمكنك أن تتحقق من انه ينصاع لإرادتك لا لإرادته هو ؟
إن السلطة هي إذلاله و إنزال الألم به , وهي أيضا تمزيق العقول البشرية إلى أشلاء ثم جمعها ثانية وصياغتها في قوالب جديدة من اختيارنا.
هل بدأت تفهم أي نوع من العالم نقوم بخلقه الآن ؟ إنه النقيض التام ليوتوبيا المدينة الفاضلة التي تصورها المصلحون الأقدمون, إنه عالم الخوف و الغدر والتعذيب, عالم يدوس الناس فيه بعضهم بعضا.
عالم يزداد قسوة كلما ازداد نقاء , إذ التقدم في عالمنا هو التقدم باتجاه المزيد من الألم.
لقد زعمت الحضارات الغابرة أنها قامت على الحب والعدالة أما حضارتنا فهي قائمة على الكراهية, ففي عالمنا لا مكان لعواطف غير الخوف و الغضب والإنتشاء بالنصر
وإذلال الذات, واي شيء خلاف ذلك سندمره تدميراً..”
― جورج أورويل, 1984
ليه بنفسر الناس حسب قوالب فكرية في دماغنا ؟!
الموضوع يبتدي لما كان في شخص متوحش عايش في غابات أثينا أسمه " بروكرست " ، بروكرست حسب الأسطورة اليونانية كان شخص عنده مشاكل نفسه و كان بيصب عقده و مشاكله ديه علي الناس اللي بيقابلهم في الغابه .. فكان لما يلاقي حد جديد في الغابة كان بيخليه يدخل بيته و أول ما يدخل بيت بروكرست ، كان بيحطه علي سرير معين و يظبط الحد ده علي حسب السرير ! فلو طويل شويه يقطع اجزاء منه عشان يناسب السرير !! و لو قصير يفضل يشد في الشخص ده لغايه ما يبقي قد السرير !! لغايه ما جيه بطل أسمه " ثيسيوس " و قتل بروكرست و أنتهت القصة .. علي قد ما القصة ديه بسيطة إلا انها طلعت مصطلح الـ " بروكرستية " و هو أننا نتعامل مع اللي حوالينا علي اساس قالب واحد او سرير ثابت من غير اي اعتبار لحالتهم او مقاسهم ..
في كتابه ( الأحلام : بين العلم والعقيدة ) بيقول العظيم " علي الوردي " :
" ينشأ الإنسان عادة في بيئة ذات عقيدة معينة. فهو لا يكاد يفتح عينه للحياة حتى يرى أمه وأباه وأهل بيته وأقرانه يقدسون صنماً أو قبراً أو رجلاً من رجال التاريخ , وينسبون إليه كل فضيلة. وعقل الإنسان ينمو في هذا الوضع حتى يصبح كأنه في قالب , وهو لا يستطيع أن يفكر إلا في حدود ذلك القالب. إنه مقيَد ويحسب أنه حر. ولهذ نجد كل ذي عقيدة واثقاً من صحة عقيدته وثوقاً تاماً , أما المخالفون له فهم متعصبون – تعساً لهم ! "
و هو ده أساس المشكلة , عدم نشأة الإنسان علي إمكانية وجود المختلف عن ثوابته و عقائده .. فالقالب اللي بنحط فيه الناس التانيه هو نتيجة غرورنا و رفضنا لقبول التعايش مع أفكار او آراء تانية تحتمل الصواب زي افكارنا و أراءنا .. و ده إن دل فهو يدل علي فقر و ضعف الإنسان نفسه .. فالل كان بيعمله بروكرست كان بكل بساطة عشان يقنع نفسه ان سريره لا يمكن يكون مش مناسب لأي شخص ! لا هو مناسب و مقاساته صح جدا !
فالمشكلة دايماً في الاشخاص مش في السرير !! و إلا بروكرست مش هيقدر يعيش مع سرير ممكن يكون مش مناسب حد !!
و البروكستية ليها أنواع منها التأويلية ، دي بنعملها كتير اوي تقريباً كل يوم ، زي لما حد يقولك كلمه لو بسيطة و انت تفسرها و تأيّفها علي مزاجك ، مثلاً حد قالك " انت مش فاهم انا بقول ايه" ، انت في دماغك تأيّف كلامه و تقول " آه ده قصده يشتمني ده أكيد بيقولي يا غبي"..
و بردو ده في نقد أي فيلم أو مسلسل ، فيه نقاد عاملين زي الترزي يمسكوا الفكرة بتاعة الفيلم و يفسروها على أفكار ف دماغهم ، زي مسلسل حارة اليهود لما أهل المنطقة زعلوا من الكاتب عشان جايب ف القصة أن الحارة كان فيها بيت دعارة مع أن القصة قديمة من الأربعينات و مع أن أكيد دة من خيال الكاتب لكن الناس قالتلك احنا حارة شريفة و ستاتنا و رجالتنا طاهرين ، هما قالوا الفكرة و فسروها على فكرة ف دماغهم. ..... فيه كمان البروكرستية الاكلينيكية و دي بيعاني منها دكاترة كتير بيفضل يسأل العيان أسئلة و هو مستنيه يجاوب حاجه معينة ف دماغه عشان يشخصه التشخيص اللي ف دماغه بردو ، بيقيف كلامه ع فكره ف دماغه .....
و في أنواع تانية كتير من البروكرستية ، فيه الأكاديمية و السياسية و غيرها...
في النهاية ، قوة الانسان مش أنه يتعامل مع اللي شبهه، إنما قوته انه يقدر يتعايش مع المختلف .. ففي كل مرة تحس إنك ضحية للبروكرستية ، و أنك مش قادر تتعامل غير مع اللي زيك او شبهك .. في كل مرة تحس انك مش عارف تتعرف أو تحب إلا بعد ما تغير اللي بتحبهم علي مزاجك و يبقوا ملائمين لمقاييسك و قواعدك .. في كل مرة تحس بغضب او توتر لما حد يعارضك او يختلف معاك و يبقي سلاحك الوحيد التقطيع في الآخر و الترهيب !.. اعرف أن نهايتك حتبقي زي بروكرست لو محدش قدر يقتل افكارك المتسلطة او اراءك المتحكمة ، علي اقل تقدير حتعيش شخص كئيب غير سوي .. كائن وحيد غير مرغوب في التعامل معاه .. نهايتك معزوله عن الحياة و شريكك الوحيد حيبقي سريرك البائس العاجز .. الغير قادر علي الدفاع عن نفسه زيك ... "
Original post : procrust
Comments
Post a Comment